Sunday, June 9, 2013

ليلتك "ط ي ن"

ليلتك "ط ي ن"

أمسى و "سواد الليل" فقط هو ما يفصله عن تحقيق حلمه، وطال الليل به عن المعتاد، فقد جافى النوم جفونه من الأرق والترقب.
فبعد سنوات من الادخار والتقطير والتخطيط لتهريب النقود من بين يدى زوجته، والتمويه المتقن حتى لا تعرف حقيقة دخله فتسطو عليه كاملاً .. بعد سنوات طويلة من تلك الألاعيب أخيراً صار قاب قوسين أو أدنى من تحقيق حلمه الذى طالما راوده وكان محور طموحاته ومنتهى آماله خلال تلك السنوات التي مرت عليه عجافاً .. وهو امتلاك سيارة جديدة (على الزيرو).
          وخلال فترة تنفيذ خطة التمويه والادخار كان يعد خطة الشراء، وكانت الخطة تنضوى على مفاجأة زوجته الحبيبة التى شاركته دون أن تدرى العناء الشديد للحصول على تلك الجوهرة الثمينة .. وكان دائماً ما يحدث نفسه ويؤكد :
-         أنا مش هاقولها ولا ألمح حتى ... إلا بعد ما أشترى وأركبلها النمر !!!
كان جل دعاءه تلك الليلة وقلبه يتقافز بين ضلوعه:
-          يارب أقدر امسك لسانى وأدارى فرحتى الكام ساعة ايلي فاضلين، يارب ألهمنى القوة والصبر لحد ما أنول مرادي، مراتى صحيح تعبت معايا (بدون أن تدرى) لكن لو عرفت أى لمحة عن موضوع الفلوس ايلى انا محوشها علشان العربية ممكن تنسفها نسف ... أكيد عندها عشرات الخطط البديلة ... صحيح هى "مراتى حبيبتى أم عيالى !" .. لكن لديها قدرة عبقرية على نسف أهدافى وضربها فى مقتل بجدارة ومجهود فردى.
 لم يغمض له جفن، وعندما سمع صوت المؤذن يعلن بزوغ الفجر، قام وتوضأ وتوجه مبتهلاً إلى الله أن يوفقه وينجح خطته ويمتعه بسيارته الحبيبة.
لم ينتبه إلى أنه ما زال على سجادة الصلاة فى حالة ابتهال وتضرع إلا عندما دق جرس المنبه معلناً السابعة صباحاً موعد استيقاظه الطبيعى للذهاب إلى العمل.
مارس طقوسه الصباحية المعتادة وكان على باب الشقة كأنه متوجهاً إلى عمله فى تمام الثامنة .... وقف برهة متأملاً ساعته محدثاً نفسه:
-         الوقت بدري قوي .. معقول يكون فتح ؟ صحيح أنا متفق معاه نتمم الإجراءات بدرى علشان ألحق الشهر العقارى والمرور ... لكن لا أعتقد أنه يكون فتح الساعة 8 ... في جميع الأحوال لازم أنزل دلوقتى علشان ما تشكش فى حاجة!!
ضبطته  متلبساً بالنظر فى الساعة ومحدثاً نفسه !!! وذلك أثناء مرورها فى الطريق إلى الحمام ... ولم تفلت الفرصه كعادتها ... فسألته فى أسلوب أستنكارى مغلظ :
-         خير !!! فيه أيه ؟؟؟ بتبحلق فى الساعة كده ليه ؟؟؟ أكيد فيه حاجة !!! أيه الساعة بتفكرك بحبية القلب ؟ تلاقى اول مرة قابلتها فيها كانت الساعة 8 ..!!
رغم أن صوتها فاجأه وايقظة من نوبة السرحان التى أخذته لكنه قرر أن ينقذ نفسه من دوامة النكد الصباحية  .. فحبيبة قلبه يا ولدى بالفعل تنتظره !
فتح الباب مؤكداً لها أنه النهاردة عنده اجتماعات ومقابلات كثيرة يمكن يتأخر شوية وما يرجعش على ميعاد الغدا وألا تقلق عليه إذا وجدت موبايله مغلق، وقبل أن يتلقى هجمات المدفعية المضادة فتح الباب وألقى بنفسه خارج المنزل.
توجه إلى معرض السيارات مباشرة، وعندما وجده مغلقاً .. وقف يفكر للحظات .. وتوجه إلى البنك أولاً لإحضار النقود وتجهيزها ! نعم .. بالفعل لن تهون عليه بسهولة النقود التى عانى الأمرين فى جمعها، لكن كله يهون من أجل عيون الحلوة (الفول اوبشن).
صرف المبلغ .. هذا ثمن السيارة ... وذلك مبلغ التسجيل والترخيص .. واضعاً كل مبلغ فى ظرف بنظام ودقة، ووضع كل الأظرف فى ظرف كبير كتب عليه مشروع السيارة .. ثم فى شنطة صغيرة ووضعهم كلهم فى الشنطة السمسونيت .. وتوجه مرة أخرى إلى المعرض.
جلس على مقهى قريب حتى يرى أبوابه بمجرد أن يفتح .. وخلال الانتظار جلس يتخيل نفسه وهو يجلس خلف مقودها وعلى فرشها المخملى الذى أختاره لها بعناية فائقة وسوف يقوم بشرائه وتركيبه بمجرد استلامه لها .. وظل متماوجاً مع أحلامه السعيدة حتى لمح الأبواب المغلقة آخذة في الانفتاح ، هرع إليه يلقى تحية الصباح والابتسامة العريضة السعيدة تكسو وجهه.
-         صباح الخير .. المدير هيوصل امتى ؟
-         زمانه جاى .. هو عامل حسابه ييجى بدرى النهاردة مخصوص علشان حضرتك أتفضل أستريح على ما ييجى.
وأثناء انتظاره سرح مرة أخرى مع خيالاته ولكنها أخذته هذه المرة فى اتجاه مخالف، متخيلاً رد فعل "مراته حبيبته أم عياله!" .. هل ستفرح ؟ هل ستطين عيشته ؟ والأسباب كثيرة والتهم جاهزة سلفاً:  التجرؤ على اتخاذ قرار "منفرداً" .. القدرة على التخيل أنه يتمتع برفاهية الاختيار! .. كما يمكن اتهامه بالخداع والخيانة العظمى والعمالة لإسرائيل !
حضر المسؤول وأنقذه من الكابوس الذى كاد يفسد حلمه .. وتمت الاجراءات فى سهولة ويسر لم يتوقعهما .
-         أتفضل أدى الورق ايلى هتروح بيه المرور علشان الترخيص والنمر.
ركب السيارة الجديدة الجميلة (الفول أوبشن) .. غمره احساس لا يوصف بالنشوة والسعادة .. اختياره هو وليس اختيار أى حد تانى .. يكاد يطير من الفرحة فخطته .. تكاد تنجح.
توجه مباشرة إلى المرور .. وتمت الإجراءات بسلاسة مريبة .. وهو الآن فى انتظار استلام النمر .. النمر الجديدة شيك ولائقة على السيارة .. وعندما جاء دوره فى استلام النمر أخذ قلبه يخفق بشدة غير مصدقاً لنفسه .. ونظر للنمر أثناء تسليمها له ..!!
-         أيه ده يا حضرة الصول؟ مش ممكن امشى بعربية مكتوب عليها (م ل ط) أيه النمر المسخرة دى، هأبقى تريقة الناس .. من فضلك غيرهالى يا حضرة الصول.
-         يا أستاذ ما ينفعش خلصنا وراك ناس كتير.
وبعد مناقشة غير ودية ... تشفعت له الورقة النقدية التى نفحها لحضرة الصول حتى يغير له تلك النمرة المسخرة.
-         أدى يا سيدى النمرة التانية ... وسع بقى علشان اشوف ايلى عليه الدور.
-                     مش ممكن .. يا نهار اسود!!
 حاول مرة أخرى مع الصول لكن هذا المرة بدون جدوى .... ووجد نفسه أمام الأمر الواقع ... سيارة جديدة وأسمها (ق ط ة)، وتحولت سعادته إلى حالة من الترقب والتوقع لما ستفعله به "مراته حبيبته" .. واللعنات التى ستصبها على رأسه، ولكن ما زال هناك بصيص من الأمل أن تلهيها السيارة الجميلة فى حد ذاتها عن كل الجرائم التي أرتكبها وأفظعها "النمر" وما تحمله من أشارة.
أثار الاسم  ذكرياته وشجونه .. ولكن الماضي راح لحاله .. والحاضر ربنا يستر فيه ..!!
وحسب الخطة الموضوعة ذهب لشراء بعض الكماليات التى طالما اشتهاها حتى تكون العروس الجميلة فى أبهى حلة .. ولكن ليس بإحساس السعادة الذى كان يتوقع أن يشعر به أثناء قيامه بهذه المهمة.. وتوجه إلى المنزل وكأنما يساق إلى حتفه .. وعقله الذى كان يتباهى به منذ قليل وبقدرته على التخطيط والتنفيذ والتمويه لم يعد يعمل .. لا يمكنه توقع ماذا يمكن ان تفعله معه "مراته حبيبته" وكيف يمكن أن يتعامل مع ردود أفعالها .. للحظة تمنى لو لم يكن قد خطط وخنصر وأشترى هذه العروسة الجميلة أو حتى حلم بها !
تلاعبت به الأفكار السوداوية حتى وجد نفسه واقفاً أمام باب الشقة حائراً .. ايدخل ويتلقى وعده ؟ .. أم يهرب بجلده مع عروسته الجديدة ؟
-         يلا أهى موته ولا أكتر !
دق جرس الباب .. على غير العادة فالدقات متتالية متراقصة .. متظاهراً بالفرح.
فتحت الباب ونظرت إليه فى دهشة ممزوجة بالريبة والشك.
-         خير فيه ايه ؟ البيه ضاربله حجرين ومبسوط شوية ولا ايه ؟
-         يلا غيرى هدومك .. عندى ليكى مفاجأة جميلة !
-         ايه هتاخدنى على المأذون تطلقنى ؟
-         بلاش التشاؤم ده .. يلا بس.
فى خطوات متباطئة تلفها الحيرة والترقب .. وضعت العباية والطرحة .. وناظرة إليه بعين ثاقبة حادة متأملة ملامحة علها تفك شفرة هذا اللغز.
-         على فين ؟ ادينى جهزت .
جذبها من يدها برقة غير معهودة .. وقبل أن تغادر باب العمارة طلب منها أن تغلق عينيها ..
-         ليه ؟ فيه بلاعة مفتوحة فى الشارع عاوز ترمينى فيها ؟ ولا كابل كهربا عريان عاوز تكهربنى بيه؟
-         ليه بس الكلام الوحش ده دا انتى مراتى حبيبتى وأم عيالى.
-         يلا افتحى  عينيكى !
-         ادينى فتحت .. فيه ايه ؟ فين المفاجأة ؟
-         أهى قدامك .. ايه رأيك فى العروسة دى؟
وبعد أن أفلح فى إقناعها بأن هذه السيارة الجديدة هى المفاجأة .. وأنها ليست مزحة .. وبعد أن هدأ روعها .. أخذت تدور حول السيارة تتفقدها وتتفحصها وتتأملها .. تقافز قلبه داعيا الله أن تلهيها الفرحة عن جرائمه وأن يعميها عن النمر .. ولكن هيهات .. لقطتها !!
-         وكمان مسميهالى "ق ط ة" على أسم المحروسة .. ليلتك "ط ي ن"..!!
***
وليد الحداد
أكتوبر 2009


No comments:

Post a Comment