Wednesday, June 19, 2013

كيس الفشار

كيس الفشار
-         بابا انا عاوزة .. (مشيرة بأصبعيها الصغيرين رقم 2).
-         2 ايه؟
-         2 جنيه.
-         ليه يا فريدة.
صمتت قليلاً ثم بدت مضطربة وزامت شفتيها كأنها تقاوم الإجابة على السؤال .. ثم تحت وطأة نظرات بابا هزت يديها في توتر ثم أجابت ببراءة شديدة:
-         هاشتري كيس فشار .. صغير آآآآآآآآآآآآد كده.
حاول أن يكون هادئاً وهو يرد عليها:
-         فريدة مش كل يوم بنشتري كيس الفشار وبيقع منك؟
-         يا بابا هو ايلي بيقع لوحده .. بس ما تخافش يا بابا هاخد بالي المرة دي ومش هاوقعه.
وبعد وصلة من الجدل غير المجدي والذي يعرف نتيجته مسبقاً .. وتحت وطأة إلحاحها البريء وعدم وجود حجة يدحض بها حجتها .. في ما الضرر من شراء كيس فشار مع تعهدها بالحفاظ عليه لحين الانتهاء من أكله وأنها سوف تتشبث به بيديها الصغيرتين حفاظاً عليه من الوقوع.. فأخرج من جيبه جنيهين معدنيين وأعطاها إياهما.. فنظرت إليه نظرة امتنان ولكنها تذيلت بتعجب:
-         دول بس ؟
-         يا فريدة مش انتي قلتي يا حبيبتي عاوزة أتنين بس ؟
قبلتهم وولت متجهة إلى بائع الفشار وهي تشيح بيديها في استنكار واستسلام .. وهو لا يدري ما سبب اعتراضها.. وتابعها بنظره وهي تتجه نحو عربة الفشار ثم تتحدث إلى بائع الفشار وتشير إليه من بعيد .. ثم تناولت كيس الفشار وهي تحوطه بكامل الرعاية والاهتمام.. وتنظر إليه في سعادة بالغة ثم نظرت إلى بابا والابتسامة تكسو وجهها في براءة شديدة .. كانت تمشي بحذر وببطء شديد حتى تفي بعهدها وتحافظ على كيس الفشار من الوقوع.. وعندما التقت عيناهما لم يتمالك نفسه من الابتسام لأنه قد اشترى لها دقائق من السعادة بجنيهين فضيين .. وعندما لاحظت ابتسامته زادت ثقتها واتسعت خطواتها ثم بدأت في الجري نحوه وفجأة تعثرت فإذا به يقوم مفزوعاً ليلحق بها ويمنعها من السقوط .. فتمكن منها قبل أن تسقط وتصاب أو تجرح .. وهي فاردة ذراعيها تمدهم إلى الفضاء محاولة التمسك بكيس الفشار وحباته وفاء بعهدها.. ولكن لم يتمكن أي منهما من اللحاق بكيس الفشار فطار في الهواء وتناثر كالنافورة في الهواء ليسقط على الأرض مغطيا مساحة كبيرة حولهم .. ونسي للحظات قليلة مدى ضيقه من تناثر تلك الحبات البيضاء حوله .. وأخذ يتفحصها خوفاً من أن يكون قد أصابها مكروه .. فتفحص ركبتيها الصغيرتان وكفاها .. وهي واقفة بين يديه ترتعد جسدها الصغير النحيف من الخوف وتغالب دموعها وعندما أرتقت عيناه إلى وجهها ونظر إلى عينيها والتي تحولت السعادة فيهما إلى حزن عميق لا يخطأ تفسيره ودموع متحجرة تخشى إطلاقها.. فهي حزينة لعدم قدرتها على الحفاظ على وعدها.
قارن بين ابتسامتها وسعادتها منذ لحظات .. وحزنها وخيبة أملها الآن.. وكأنه يقرأ أفكارها فحزنها لم يكن بسبب بعثرة الفشار .. ولكنه كان بسبب أنها خيبت أمله بعدم قدرتها على إسعاده بالحفاظ على عهدها.
نظر في عينيها ممسكاً بيديها الصغيرتين .. وفي حركة تلقائية مد يده في جيبه مخرجاً جنيهين آخرين قائلاً:
-         ولا يهمك أتفضلي أدي 2 (مشيراً بأصبعيه الكبيرين) علشان تشتري غيره .. ولو وقع تاني مش هازعل .. بس أنتي ما تزعليش نفسك.
تلألأت الدموع في عينيها وانطلقت في سعادة بالغة .. وهو يتابعها بعينيه وقلبه يرقص طرباً .. رغم الآلام التي أيقظت إدراكه بتصلب فقرات عموده الفقري .. معلنة كبره وهرمه.
وعندما وصلت إلى بائع الفشار استدارت في ثقة ناحيته ولوحت له بكفها الصغير فرحة .. فما كان منه إلى أن رد لها التحية بيد وهو يسند ظهره باليد الأخرى ليستطيع النهوض من انحناءته .. امتزجت الابتسامة على وجهه بآثار آلام ظهره.
وأخذت تعدو نحوه فرحة وكلها ثقة .. وأخذ يتابعها بنظره .. وهو يلوم نفسه .. لماذا كان يسرق تلك الفرحة بالإصرار على عدم بعثرة حبات الفشار .. خائفاً عليها من السقوط .. مشفقاً على تلك المفاصل الصغيرة والرقيقة من التضرر من الارتطام بالأرض.
ولشدة عجبه فلقد استطاعت أن تعبر المسافة من عربة الفشار إلى الطاولة التي يجلس عليها راكضة عبر حديقة النادي .. بدون أن تتطاير تلك الحبات الشقية منها.
وضعت الكيس أمامه .. يكسو وجهها زهو وإحساس بالنصر.. مد يديه ليحتضنها .. فاجأته نخزه سريعة فى الجزء الأوسط من عموده الفقرى أربكت قدرته على توجيه يده فارتطمت يده بالكيس وأطاحت به .. فطار في الهواء متبعثراً .. ولكن هذه المرة بيده هو.
فاحتضنته وربتت عليه مواسية:
-         ما تزعلش يا بابا هاشتريلك واحد تاني .. ومش هازعل لو وقعته!
***

وليد الحداد
القاهرة في يونيو 2012

No comments:

Post a Comment